التغيرات المناخية وتأثيرها على الصحة

التغيرات المناخية وتأثيرها على الصحة

إن للمناخ والطقس تأثيرات مباشرة وغير مباشرة قوية على حياة البشر بدءاً من المناطق المدارية وانتهاء بالمناطق القطبية. وبالرغم من تكيف البشر مع الأحوال التي يعيشون فيها، وقدرتهم الفسيولوجية على التعامل مع التفاوتات الكبيرة في الطقس إلا أن لهذا الأمر حدود.
إن التذبذب الملحوظ القصير الأجل قد يكون له آثار وخيمة على الصحة:
فالحرارة الشديدة والبرد القارس قد يؤديان إلى حالات مميتة مثل الإجهاد الحراري والهبوط الحراري فضلاً عن زيادة معدلات الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأمراض التنفسية؛
• وفي المدن، قد تؤدي الظروف المناخية الخانقة إلى احتباس الهواء الدافئ والملوثات، مما يسفر عن حوادث تلوث شديدة للهواء وما ينجم عنها من آثار صحية وخيمة.

وقد تكون هذه الآثار جسيمة. فدرجات الحرارة العالية وغير المعتادة التي شهدتها أوروبا في صيف عام 2003، أسفرت عن عدد من الوفيات تجاوز ما كان عليه في نفس المدة من العام السابق بنحو 35 ألف وفاة.
وهناك ظروف مناخية أخرى بالغة القسوة مثل الأمطار الغزيرة، والفيضانات، والأعاصير، وكان لها آثار وخيمة على الصحة. فقد شهد العالم في تسعينات القرن العشرين نحو 600 ألف وفاة بسبب الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، حدث 95% منها في البلدان الفقيرة. وفي ما يلي بعض الأمثلة:
في تشرين الأول/أكتوبر 1999، أسفر الإعصار الذي شهدته أوريسا في الهند، عن وفاة 10 آلاف شخص، كما تراوح إجمالي عدد المتضررين منه بين 10 و 15 مليون شخص؛
في كانون الأول/ديسمبر 1999، أودت الفيضانات التي شهدتها كاراكاس وتخومها في فنزويلاً بحياة نحو 30 ألف شخص، غالبيتهم يعيشون في أكواخ من صفيح على منحدرات مكشوفة.
وبالإضافة إلى تغير أنماط الطقس، فإن الظروف المناخية تؤثر على الأمراض المنقولة بالماء والمنقولة بالنواقل مثل البعوض والناموس. فالأمراض الحساسة للمناخ هي من أكبر العوامل العالمية القاتلة. فقد سبب الإسهال، والملاريا، وسوء التغذية بالبروتين والطاقة وحدهم وفاة ما يربو على 3.3 مليون شخص في العالم في عام 2002، وكان 29% منهم في الإقليم الأفريقي.
الوضع: الاحترار العالمي
يمتص سطح الأرض ما يقرب من ثلثي الطاقة الشمسية التي تصل إليه، مما يؤدي إلى ارتفاع حرارته. ثم يعاود سطح الأرض إشعاع الحرارة إلى الغلاف الجوي. حيث يُحتبس جزء منها بفعل غازات الدفيئة (الصوب) مثل ثاني أكسيد الكربون. ومن الجدير بالذكر أنه بدون تأثير الدفيئة (الصوب) سيكون متوسط حرارة سطح كوكب الأرض منخفضاً للغاية وغير صالح لسكنى البشر.
وعلى مدى الخمسين سنة الماضية، أسفرت أنشطة الإنسان، ولاسيما حرق الوقود الأحفوري عن انبعاث كميات كافية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الأخرى الدفيئة، مما أثر بشكل كبير على المناخ العالمي. فقد زاد ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بما يربو على 30% عن ما كان عليه قبل الثورة الصناعية، مما أدى إلى احتباس المزيد من الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي.
ووفقا لتقرر التقييم الرابع (2007) للفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي، فإن الأثر الناجم عن زيادة غازات الدفيئة يتضمن ما يلي:
• ازداد متوسط حرارة الغلاف الجوي في العالم بنحو 0.65 درجة مئوية على مدى الخمسين سنة المنصرمة؛
• إن أحد عشر عاماً من الاثني عشر عاماً المنصرمة (1995-2006) تقع ضمن الأعوام الاثني عشرة الأكثر دفئاً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في خمسينيات القرن التاسع عشر؛
• إن معدلات الاحترار، وارتفاع مستوى البحر قد تسارعت في العقود الأخيرة؛
• فقد شهد العديد من المناطق، ولاسيما البلدان الممتدة من خطوط العرض الوسطى حتى خطوط العرض العليا البعيدة عن خط الاستواء زيادة في هطول الأمطار، مع زيادة عامة في معدل سقوط الأمطار الغزيرة.
• زيادة معدل وكثافة الجفاف في بعض المناطق من أفريقيا وآسيا في العقود الأخيرة؛
• زيادة معدل الأعاصير المدارية الشديدة في بعض المناطق مثل شمال الأطلنطي اعتباراً من سبعينيات القرن الماضي؛
• لا يزال انبعاث ثاني أكسيد الكربون يشهد زيادة كبيرة في العالم. ويتم استخدام التقديرات المستقبلية للنمو السكاني واستخدام الطاقة كمدخلات في نماذج المناخ العالمي بغية توقع التغير المناخي في المستقبل. واستناداً إلى المخرجات الناجمة عن طيف من مثل هذه النماذج، قام الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بإعداد التوقعات التالية للقرن المقبل.
• سيزداد متوسط حرارة سطح الأرض بما يتراوح بين 1.1 و 6.4 درجة مئوية، وتعتمد هذه الزيادة جزئياً على الاتجاهات المستقبلية لاستخدام الطاقة. وسيصل الاحترار إلى أعلى معدلاته في اليابسة وخطوط العرض العليا البعيدة عن خط الاستواء.
• زيادة معدل تكرار وشدة موجات الحر، وهطول الأمطار الغزيرة، وغيرها من الظواهر الشديدة الوطأة؛
• توقع استمرار ارتفاع مستوى البحر بمعدلات متسارعة.
ويعمل العديد من البلدان على الإقلال من انبعاث الغازات الدفيئة تحت مظلة الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المتعلقة بالتغير المناخي. ومما يؤسف له أنه بالرغم من هذه الجهود، فإن الاتجاهات السابقة والمستقبلية المتوقعة، للتنمية واستخدام الطاقة تشير إلى أن العالم سيواجه تغيرات كبيرة في المناخ، وارتفاع مستوى سطح البحر خلال العقود المقبلة.
تأثير التغير المناخي على الصحة
تعتمد الصحة العمومية إلى حد كبير على مياه الشرب المأمونة، وكفاية الغذاء، والمأوى المأمون، والظروف الاجتماعية الجيدة. وغي عن البيان أن التغير المناخي سيؤثر على كل هذه المحددات. ويشير استعراض الفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي للآثار المحتملة الناجمة عن تغير المناخ إلى أن احترار المناخ قد يجلب بعض المنافع المحدودة، مثل انخفاض الوفيات في فصل الشتاء في المناطق المعتدلة المناخ، وزيادة إنتاج الغذاء في بعض المناطق، ولاسيما أقاليم خطوط العرض العالية البعيدة عن خط الاستواء.
كما أن خدمات الصحة العمومية وارتفاع مستويات المعيشة قد تقي بعض السكان من تأثيرات معينة.

فعلى سبيل المثال لا يتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى إعادة توطن الملاريا في شمال أوروبا أو شمال أمريكا. ومع هذا فإنه بشكل عام يتوقع أن تكون الآثار الصحية الناجمة عن التغير المتسارع للمناخ سلبية بشكل جلي، ولا سميا في المجتمعات الفقيرة، والتي لم تسهم في انبعاث العازات الدفيئة إلا بقدر محدود للغاية. وفي ما يلي بعض التغيرات التي تؤثر على الصحة:
• زيادة معدل تكرار موجات الحر الشديدة: فقد أظهرت التحليلات الأخيرة أن التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري أدى إلى تفاقم احتمال حدوث موجات الحر الشديدة في عام 2003؛
• إن التفاقم المطرد في تفاوت أنماط هطول الأمطار قد ينقص من إمدادات المياه العذبة، مما يزيد من خطر الأمراض المنقولة بالمياه؛
• إن ارتفاع درجات الجرارة وتفاوت هطول الأمطار قد ينقص من إنتاج المكونات الرئيسية في الغذاء في العديد من الأقاليم الفقيرة، مما يفاقم خطر سوء التغذية؛
• يؤدي ارتفاع مستوى البحر إلى زيادة خطر غمر المياه الساحلية لما يليها من أراضي اليابسة، وقد يستلزم نزوح السكان. فأكثر من نصف سكان العالمي يعيشون الآن على بعد 60 كيلومتر من البحر. وتعتبر دلتا النيل في مصر، ودلتا جانجز باهمابوترا في بنجلاديش، والعديد من الجزر الصغيرة مثل جزر ملديف، وجزر مارشال، وتوفالو من أكثر المناطق عرضة للانغمار في المياه الساحلية؛
• إن التغير المناخي قد يطيل فصول سراية الأمراض الأساسية المنقولة بالنواقل، ويعمل على تغيير نطاقها الجغرافي، بل قد يجلبها إلى الأقاليم التي تعاني من نقص مناعة السكان، وإلى جانب افتقارها إلى البنية الأساسية القوية للصحة العمومية؛
إن قياس الآثار الصحية الناجمة عن التغير المناخي لا تعدو عن كونها تقريبية للغاية، ومع هذا فإن التقييم الكمي لمنظمة الصحة العالمية، الذي يأخذ بعين الاعتبار مجموعة فقط من الآثار الصحية المحتملة خلص إلى أن آثار تغير المناخ التي وقعت منذ منتصف السبعينات قد أسفرت عن وفاة ما يزيد على 150 ألف شخص في عام 2000، كما خلصت إلى أن هذه الآثار آخذة في الازدياد في المستقبل.
القضايا ذات الأهمية في إقليم شرق المتوسط
أشارت نتائج تقرير التقييم الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي إلى أن إقليم شرق المتوسط سيكون من أكثر الأقاليم تأثراً. فتغير المناخ سيفاقم من ندرة المياه الحالية لتصل إلى مستويات غير مسبوقة مما يمثل تحدياً خطيراً لندرة المياه اللازمة للأفراد ولإنتاج الغذاء. فارتفاع المراضة والوفيات بسبب أمراض الإسهال أمر متوقع، ناهيك عن تفاقم سوء التغذية بسبب نقص إنتاج الغذاء. ومن المتوقع أن تشهد زيادة عامة في درجات الحرارة وزيادة في عدد وكثافة ومدة موجات الحر الشديدة والعواصف الترابية، مما قد يسفر عن آثار صحية مدمرة. كما أن من المتوقع زيادة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، وما تؤدي إليه من زيادة الإصابات والوفيات. بالإضافة على ذلك سيؤدي تغير البيئة إلى حدوث تغير في توزع الأمراض المنقولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك.

منقول من موقع منظمة الصحة العالمية
http://www.emro.who.int/Arabic/whd2008/factsheets.htm

.